حول الفيلم
في فيلمه الروائي الطويل الثالث، يختار المخرج محمد دياب فلسطين موقعًا لأحداث فيلمه "أميرة"
الذي يحكي عن مراهقة فلسطينية محبة للتصوير الفوتوغرافي، ابنة مناضل قابع خلف أسوار الاحتلال
الإسرائيلي لفترة طويلة، وأم وحيدة ترعاها وترى زوجها فقط من وراء زجاج السجن، كما تنتمي
لعائلة ذات تاريخ نضالي منقسمة بين مناضلين وأفراد عاديين يقومون بأشغال عادية. ربما توحي تلك
المقدمة بأنه فيلم سياسي، لكنه ورغم أن القضية الفلسطينية تشكل جزءًا من نسيج الفيلم، إلا أن
حكاية أميرة وصراعها لإيجاد هويتها، إنسانية بامتياز. يبدأ الفيلم بأميرة وهي تلتقط لنفسها صورًا، ثم
تقوم بتركيب صورة والدها القديمة باستخدام "فوتوشوب" لتحظى بصورة عائلية. أمر -رغم غرابته-
يبدو عاديًا لابنة لم تتح لها الفرصة لأخذ صورة عائلية مع والدها، لكن الصورة ذاتها ربما تكون مجازًا
عن كيف تتخيل أميرة ذاتها وتنظر إلى هويتها التي تتزعزع عند محاولة الأب الإنجاب مرة أخرى
واكتشاف العائلة مفاجأة مروعة، فتبدأ بمساءلة كل من حولها بل ويتم مساءلتها هي شخصيًا، فتنهار
تلك الصورة تدريجيًا، وتحولها تلك الرحلة، رغم قساوتها، من مراهقة مدفوعة بالعواطف والمشاعر،
إلى شابة ناضجة تنظر إلى العالم برمادياته المختلفة وليس من خلال منظور الأبيض والأسود. أسلوب
الفيلم البصري ينقل بحساسية شديدة الحالة النفسية لأميرة، ما بين استخدام الصور الفوتوغرافية
والفوتوشوب، والظلال القاتمة التي تجعل الفيلم شبيهًا بأفلام "النوار"، والألوان الزرقاء الباردة في
نقاط التفتيش والسجن، أو البرتقالية الجهنمية التي تصور حالة الجحيم الذي تعيش فيه العائلة بما
فيهم أميرة، ونهاية بضوء الشمس الساطع في وجه الكاميرا في نهاية الفيلم عند تكشف الحقائق كلها،
ذلك الضوء المماثل لضوء الشمس الذي لم يتحمله سجناء كهف أفلاطون عند خروجهم منه.
محمد طارق