باختياره الإثارة والمغامرة أسلوبًا لمعالجة فكرة فيلمه الروائي الطويل الأول”196 متر” (2024)، يضع المخرج الجزائري شكيب طالب بن دياب نفسه أمام تحديات كبيرة متأتية من ندرة ما أُنجز في السينما العربية لمثل هذا النوع من الأفلام الذي يشترط نجاحها على توفر مفردات عمل معقدة منها التصوير المتعدد الزوايا المرافق للحركة السريعة والتمثيل المقرون بكفاءة جسدية وتعبيرية كتلك التي نجدها عند ممثلي هذا النوع من الأفلام الغربية والأمريكية على وجه الخصوص. يقرر بن دياب المضي في هذا الأسلوب لنقل قصة حقيقية جرت في الجزائر بعد عقود قصيرة على انتهاء مرحلة سياسية معتمة من تاريخ الجزائر الحديث سميت بـ” العشرية السوداء”. لا يذهب سيناريو الفيلم إلى تلك المرحلة مباشرة بل يقترح معاينة آثارها العميقة في المجتمع الجزائري من خلال قصة اختطاف طفلة صغيرة في حي شعبي من قبل رجل مجهول يجري البحث عنه وسط توتر اجتماعي يميل للانتقام بنفسه من القاتل بما يتعارض مع مهمة المحقق “سامي” الذي يريد أن تأخذ العدالة مجراها ويلقي القبض على المجرم لينال عقابه العادل. على هذا الخط تدخل الطبيبة النفسية “دنيا” التي تربط الحادثة بسلسلة جرائم اختطاف وقتل للأطفال جرت في أواخر تسعينيات القرن المنصرم، وتصر على متابعة عملها رغم التمييز الذكوري الموجه ضدها. ليُميّز المخرج بن دياب عمله السينمائي والجمالي عن بقية أفلام الإثارة يستند في فيلمه إلى قراءة نقدية اجتماعية تربط بين العنف ومسبباته وبين ظهور جيل جزائري جديد يريد التخلص من تلك المرحلة السوداء وتجاوز آثار صدمتها العنيفة. يجمع الفيلم بين العمل السينمائي الجميل المشحون بتوتر لا ينقطع وبين مراجعة نقدية لمرحلة تاريخية يمكن للسينما الإسهام فيها وهذا ما ينشده فيلم “196 متر”.   قيس قاسم